نفوس المسلمين تتوق لحج بيت الله الحرام، وأفئدتهم تهوى وتتعلق بتلك البقاع المقدسة، والكل يتنافس لطاعة الرحمن ونيل الغفران، والسير على طريق الجنات، والعودة بذنب مغفور وحج مبرور، وسعي مشكور، و يحاول جميع الحجاج التزود بالتقوى، وحسن الاستعداد المالي، وجودة التهيئة الصحية، والحرص على اتخاذ الإجراءات الوقائية، فالجميع يجتهد في إرضاء الله تعالى، والحرص على اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والسير على القواعد الإدارية، واتباع التعليمات، وطاعة الأنظمة، وعدم مخالفة تعليمات ولاة الأمر في جميع الأمور الإدارية والصحية والقانونية.
ولكن قد تقع بعض الأمور غير المتوقعة، التي تنغص على الحجاج طاعتهم، وتخرج بعضهم من شعورهم، وتجعل بعضهم يغضب وينفعل ولا يحسن التخلق بالأخلاق الفاضلة.
فكيف يمكن أن يتم الحج على خير، و كيف يقبل الحاج على الطاعات، ويبتعد عن المنغصات، ويحرص أن يكون حجه مبرورا، ولا تصرفه بعض المتاعب والعراقيل عن الوصول لمغفرة الذنوب والعودة بميلاد جديد، كما في الحديث الشريف"من حج ولم يفسق ولم يرفث رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
وكيف يجاهد الحاج نفسه ليفوز بحج مبرور، وكيف يحارب الأعداء المتربصين به، كشياطين الإنس والجن، وكيف يقوي إرادته ويجاهد نفسه الإمارة بالسوء، لكي ينجح في هذه الرحلة الإيمانية ويحقق أهدافها التربوية؟
ومع هذا التحقيق الذي يستطلع آراء بعض الحجاج من ثلاثة بلاد للوصول لهذه الغاية: حج بلا منغصات.
ونبدأ من فلسطين، ومع الحوارات التي أجرتها الأخت الفاضلة ميرفت عوف مع أحد المسؤولين في الأوقاف الفلسطينية والذي ركز على كيفية مواجهة المنغصات الإدارية.
ومع أحد العلماء الذي تحدث عن حسن التهيئة النفسية، و قالت قبل الحوار:"تعد شعيرة الحج عبادة من أشرف العبادات، فهي خامس ركن من أركان الإسلام، وأهم محطة لمحو لذنوب والآثام، ووسيلة لنيل الرضا من الله تعالى وطريق الإنسان للوصول إلى الجنة. ولما كان الحج لمرة واحدة في العمر؛ فإن على المسلم أن يكون حريصًا على أدائها بلا منغصات، ويتحرى البعد عن المفسدات والشوائب في رحلة الحج، ويتلمس الأعمال الصالحة في أيام الحج، ويكثر منها ليفوز بوعد الله جل وعلا".
ثم كان هذا الحوار مع مدير الحج والعمرة بوزارة الأوقاف الفلسطينية بغزة سالم عبد العال، الذي أشار إلى أن المنغصات التي تواجه الحجاج الفلسطينيين أثناء تأديتهم الفريضة تترواح بين السكن والتنقل من و إلى الحرم، مؤكدًا أن الوزارة في هذا العام عمدت إلى تجاوز كافة المنغصات والعقبات، حيث سيتم النقل على الخطوط الفلسطينية للطيران.
وأضاف في حديث لـ(لها أون لاين): "إن الوزارة تعمل جاهدة لحل أي منغصات تواجه الحجاج في بيت الله الحرام، حيث عمدت إلى تشكيل عدة لجان، كل واحدة منها تتشكل من مجموعة من الإداريين، على رأسهم يكون رئيس اللجنة، الذي يعمد إلى متابعة أمور البعثة، فيما يتولى الوعاظ والدعاة أمور الحجاج بشكل كامل.
ولفت إلى أن اللجان الفلسطينية تتشابك في العمل وتتعاون مع اللجان السعودية التي تعمل من جهتها على إزالة وتذليل أي منغصات قد تفسد على الحجاج استمتاعهم بأداء الفريضة.
وأشار إلى أن كل إنسان في موقعه يعمل من أجل إنجاح الموسم.
وأكد عبد العال أن أحد أهم الوسائل التي اتبعتها المملكة السعودية في السنوات الأخيرة تتمثل في إنشاء المشاريع الجديدة من فنادق قريبة من الحرم، بالإضافة إلى توسعة الحرم؛ لتسهيل مناسك الحج على الوافدين من كل أقطار العالم الإسلامي.
بالإضافة إلى توفير المواصلات، وأشار في هذا الصدد أن المملكة في هذا العام عمدت إلى إنجاز قطار المشاعر يقوم بعملية نقل الحجاج من منى إلى مزدلفة إلى عرفات؛ مما يسهل مواصلات الحجاج.
ونصح عبد العال الحجاج أن يلتزموا بالشعائر الدينية، ويتحروا الصبر لكي لا يفسدوا فريضتهم.
أما أ.د. محمود الشوبكي أستاذ العقيدة في كلية أصول الدين ورئيس مركز القرآن الكريم والدعوة الإسلامية بالجامعة الإسلامية، فأشار في حديث خاص إلى أن منغصات الحج تكمن في السفر الذي يحمل الكثير من المعاناة، وفقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"السفر قطعة من العذاب"، وقوله "الحج جهاد لا قتال فيه" وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم:"جهاد المرأة الحج" وأكد أن تفاصيل ومناسك الحج فيها الكثير من المشقة والتعب والألم. ولكن يمكن للإنسان التغلب عليها بالترفع عن الأنانية وتحقيق الإيثار والوحدة والتقارب والحب بين الحجيج.
لافتًا إلى أن الإنسان حين يجد من يساعده ويسانده، ويجد من يحنو عليه ويقترب منه تخف عنه الصعاب والمشقات، وأضاف أن المشقة تزول بحرص الحجاج جميعًا على عدم إيذاء الغير، سواء في الطواف أو في عرفات أو في منى أو أثناء التقاط أو رمي الجمرات، وأكد أن المتاعب تبدد بتحقق المحبة والوحدة وتخف المعاناة والآلام.
و من مدينة جدة، أجرت الأخت: غادة بخش حوارا مع أحد المهندسين العاملين في مناسك الحج لحل مشكلة قد تنغص على الحجاج حجهم.
وحوارا آخر مع أحد الفقيهات لتساهم في حل بعض المشكلات الفقهية التي يقابلها الحجاج، وحوارا ثالثا عن مشكلة الافتراش لبعض الطرقات، ورابعا عن بعض المنغصات الصحية.
تقول الأخت غادة بخش:"الحج جهاد كما ورد في الحديث الشريف(أفضل الجهاد حج مبرور)رواه البخاري؛ لما في الحج من مشقة وتعب وسفر ونصب، وعلى الرغم من كل الاستعدادات لابد من عارض ما، من العوارض ينغص على الحاج حجه.
ومن العوارض التي قد تلحق بحجيج بيت الله الحرام، قال المهندس رامي منشي خلال عمله مع حجاج بيت الله الحرام: "إن أكثر ما يكدر على الحجاج حجهم، ويحد من تحركهم هو ضياع الحجاج، خاصة كبار السن منهم؛ لذا أتمنى تفعيل فكرة الأسورة الذكية التي تحل الكثير من مشكلات الحجيج أثناء تنقلهم من مكان لمكان، بحيث لا يمكن للحاج خلعها إلا عند مغادرته إلى بلاده ويكون مكتوب فيها اسمه ومكان إقامته واسم الرحلة الملتحق بها ورقم هاتف يمكن الاتصال به.
الأستاذة منى الحسيني أستاذ العلوم الشرعية بمعهد خديجة بنت خويلد للدراسات الإسلامية قالت:"أكثر ما ينغص على الحجيج حجهم: جهلهم ببعض الأمور الفقهية التي يحتاجونها، فكثير من الحجاج يعتقد أن المخيط كل ما فيه خيط، مثل: الحزام، والصحيح أن المخيط ما فصل على هيئة العضو كالقميص. أو إصرار بعض الحجاج على الوقوف تماما مع الإشارة باليدين عند محاذاة الحجر الأسود، مما يسبب الزحام والمشقة. أو الطواف داخل الحجر(المعروف بحجر إسماعيل) لاختصار المسافة فيكون بذلك لم يطف فعليا حول الكعبة ويبطل طوافه، لأن الحجر يعتبر من الكعبة وهكذا، فهذه الأمور اليسيرة تُشكل على الحاج الذي يحج لأول مرة.
واعتقد أنها مسؤولية حملات الحج بحيث توفر المعلومة الصحيحة الموثوق بها للحاج، وتوفر له وسيلة اتصال بشيوخ على علم ودراية؛ حتى يطمئن الحاج عندما يشكل عليه أمر ما، وعلى حملات الحج توضيح الأمور الفقهية الأساسية للحاج.
واقترح أن يوزع على الحجاج كتيبات بلغتهم توضح لهم مناسك الحج والمسائل الفقهية المتعلقة بالحج والنصائح والإرشادات المطلوب من الحاج اتباعها، بحيث توزع الكتيبات عند منافذ دخول الحجاج للبلاد".
وقالت أيضا:"إن كان الحاج خائفا من حدوث شيء يعيقه عن إتمام الحج؛ أو يشكو من مرض، فيمكنه أن ينوي ويشترط أن ينصرف دون إتمام الحج، ولا يكون عليه شيء بقول: "إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" لقول الرسول لضُباعة لما قالت أنا شاكية "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني "متفق عليه.
إحسان الشعلان بينت أن الافتراش ظاهرة غير حضارية بالمرة، تعرقل سير الحج، و أن حملات الحج على اختلاف درجاتها ينبغي أن تراعي إمكانات الحجاج المختلفة ومتطلباتهم المتنوعة، فيؤدي الحاج الفريضة بكرامته دون أن يسيء لنفسه أو يضيق على غيره.
وعن المشكلات الصحية قالت الدكتورة مها أحمد: "توفى عدد من الحجاج هذا العام، قبل بدأ مناسك الحج لمشاكل صحية ألمت بهم؛ لأن بعضهم يخشى منع بلاده له من أداء فريضة الحج إذا بين أن لديه مشكلة صحية كبيرة كمرضى الفشل الكلوي! وفوجئت وزارة الصحة هنا بوجود عدد من الحجاج يحتاج لغسيل كلوي! وكما هو معروف الغسيل يجب أن يكون في أيام محددة ويستغرق ساعات طويلة، ولحسن الحظ فإن المملكة تقوم برعاية الحاج، وتقوم بجميع الإجراءات اللازمة للحفاظ على صحة الحاج قدر المستطاع مجانا، ولكن مع الأعداد الغفيرة للحجاج: أقترح أن لا يتم منع أي حاج في بلاده من الحج فهو يدعو كثير من الحجاج لعدم الإفصاح عن حقيقة أمراضهم، وبالتالي عرقلة عملية متابعتهم على وجه الصحيح.
ولكن يجب التنسيق بين وزارة الصحة في بلد الحاج، و وزارة الصحة في السعودية بحيث يتم متابعة الحالات المرضية بشكل منسق فهذا هو الحل الأمثل".
منغصات الحج وكيفية تلافيها:
ومن القاهرة، التقى الأخ منير أديب، باثنين من العلماء، وأجرى هذا الحوار المثمر لبيان كيفية الحج بدون منغصات.
وقال: "أكد عدد من العلماء أن سلوكيات الحجيج قاسم مشترك في المنغصات التي تفسد الحج على بعض الحجاج، كما أنها تظل عائقا أمام إتمام بعضهم الأخر للفريضة فالله عز وجل يقول: " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ"سورة البقرة.
فالزحام الشديد والتدافع الذي يتسبب في موت المسلمين وأصحاب الحاجات والعجائز أهم المنغصات التي لا يراعيها بعض الحجيج".
استطلعنا آراء بعض العلماء في منغصات الحج وكيفية تلافيها، يقول الشيخ فتحي عبد الستار(داعية شاب): "من المهم أن يلتزم الحاج بتعليمات السلطات المسؤولة عن الحج في كل مراحله؛ لأن ذلك يخلق حالة من الطمأنينة تساعد الحجاج على تأدية الفريضة".
وأضاف الشيخ فتحي، هناك بعض الضرورات التي تساعد على الحج الآمن دون منغصات، أهمها: الخروج لتأدية الفريضة مع حملات نظامية موثوقة ومعتمدة، وعدم الحج بدون تصريح، وعدم اللجوء لافتراش الطرقات، أو تحت الجسور أوالكبارى.
ولفت إلى أهمية أن يلتزم الحاج ويتعود على اتباع العادات الصحية السليمة تجنبا للأمراض والأوبئة التي تضر به شخصيا كما تضر بباقي الحجيج.
وذكر أن تعلم مناسك الحج بشكل صحيح من العلماء الثقات أمر مهم، كما أن المعرفة بالفروض والأركان والواجبات والسنن، ومعرفة مواطن الرخص للأخذ بها حين الحاجة كلها أسباب حقيقية للاستمتاع بالفريضة وتأديتها دون منغصات.
وأكد أن منغصات الحج تأتي من وراء عدم اتباع الإرشادات، والخروج عن الطرق النظامية وعدم اتباع التعليمات الرسمية ومن ثم العادات الصحية.
وأكد على أهمية أن يستشعر الحاج كل المعاني الإيمانية في كل منسك من مناسك الفريضة، قبل أن يخرج إلى بيته وحتى يعود مؤديا للفريضة التي فرضها الله عز وجل للقادر.
وقال الدكتور طه أبو كريشه الأستاذ بجامعة الأزهر: "إن فريضة الحج ليست مجرد حركات وانتقالات فقط، فهؤلاء ينقلون من بلدانهم للحرم أو الطواف أو الوقوف في صعيد عرفة؛ ففريضة الله أرقى من ذلك.
ويضيف، المسلم الحاج يشعر بفريضة الله من المشقة المتتابعة، والجهد الذي يبذله لله عز وجل من أجل تلبية ندائه، وعلى قدر هذه المشقة يكون الثواب.
وذكر أن التكنولوجيا الحديثة وبمجهود كبير من السلطات السعودية أصبح الحج ميسرا بعض الشيء دون جهد كبير، فالجهد كله فيما يبذله الحاج في الطاعة والعبادة.
ولفت إلى أن المنغصات التي قد تحدث للحاج من جراء سلوكيات بعض الحجاج الذين لا يراعون الله عز وجل! وبالتالي يفسدون حج غيرهم.
وأكد، أن حج "اليوم" أصبح مختلفا بعض الشيء عن الحج منذ عشرات السنين، فيمكن للحاج أن يصل للأراضي المقدسة بسهولة تامة، ويؤدي المناسك بيسر أيضا، ويسكن في أماكن مكيفة، ويتلقى رعايات مكثفة تقلل من المشقة التي قد يتعرض لها، فلا يبقى إلا جزء ضئيل من المشقة يجب على الحاج احتماله لينال الثواب.
وختم كلامه، أن المشقة غالبا ما تأتي من الزحام الشديد وسلوكيات بعض الحجيج الخاطئة والتي تنتهي بمنغصات.
تحقيق من ثلاثة بلاد
المصدر: موقع لها أون لاين